يتعرض العلمانيون السوريون، فضلاً عن مفهوم العلمانية، لهجوم على الإنترنت وعلى أرض الواقع. يقدم جوزيف ضاهر نظرة نقدية للجهود الرامية مؤخراً إلى التشكيك في إسهام العلمانيين السوريين في ثورة 2011، ويقدم منظوراً تاريخياً لمعنى العلمانية وكيف جرى استخدام وإساءة استخدام هذا المفهوم في معركة تشكيل مستقبل سوريا. يتناول  الجزء الثاني من المقال استراتيجيات البقاء التي اتبعها فاعلون علمانيون في المعارضة السورية مع نيل القوى الأصولية الإسلامية الزخم في المجال العسكري والسياسي، كما يحلل مزايا ومخاطر اعتناق مفهوم “الدولة المدنية” كمراهنة لإيجاد حل وسط بين هذه الأيديولوجيات المتضاربة

21 آب 2018

(يمكن قراءة الجزء الأول على هذا الرابط)

العلمانيون الليبراليون السوريون واستراتيجياتهم 

اختار العلمانيون السوريون المعارضون مسارات مختلفة خلال الانتفاضة. فقد انضمت بعض الجماعات والأفراد العلمانيين، ولا سيما التيارات الليبرالية، لمختلف هيئات المعارضة في المنفى، مثل المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني السوري، مدافعين في البداية ومبرّرين وجود الحركات الأصولية الإسلامية والجهادية ضمن المشهد السياسي والعسكري المعارض داخل البلاد[1] ومتخلّين عن المطالب الديمقراطية كالعلمانية وحقوق المرأة. بقي هؤلاء صامتين أغلب الوقت على الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها الجماعات السلفية أو الخطابات الطائفية التي تنشرها، قبل إدراج بعض هذه الجماعات في هيئات سياسية معارضة مثل جيش الإسلام. فالقائد السياسي السابق (المستقيل حالياً) لجيش الإسلام، محمد علوش، كان كبير المفاوضين في مؤتمر جنيف 3، وبقي شخصية مهمة في هيئة التفاوض العليا

ليس من المفاجئ إذن رؤية هلال عبد العزيز الفاعوري، الذي خطّ العديد من المقالات لموقع زمان الوصل المعارض، يشير بإيجابية إلى جورج صبرا، رئيس المجلس الوطني السوري وعضو حزب الشعب الديمقراطي الليبرالي (سابقاً الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي، بزعامة رياض الترك) في مقال له وصف فيه جبهة النصرة بأنها “جزء من الحراك الثوري”. وبالمثل، سبق لميشيل كيلو أن فنّد جميع الاتهامات التي تطال جبهة النصرة على أنها منظمة أصولية.[2] كما رفض أي مقارنة بين داعش وجبهة النصرة، بحجة أن هذه الأخيرة كانت مستعدة لإقامة “نظام انتخابي إسلامي” وأرادت تشكيل دولة إسلامية من خلال التوافق الوطني، في حين تسعى داعش إلى ذلك بالاستبداد.[3] كما خففت العديد من الشخصيات الليبرالية العلمانية الأخرى من الطبيعة الرجعية للمنظمات الإسلامية الجهادية

كان للطرفين مصلحة في هذا التعاون من منظور الوصول إلى السلطة أو على الأقل القيام بدور في مختلف عمليات التفاوض. أولاً، رأت الشخصيات والجماعات الليبرالية العلمانية ضمن الائتلاف الوطني في التعاون مع الجماعات الأصولية الإسلامية والجهادية ضرورة عسكرية في الحرب ضد النظام، حتى لو كانت معادية للديمقراطية وتحكم مناطق سيطرتها بطريقة استبدادية، بما في ذلك مهاجمة وخطف نشطاء ديمقراطيين. ومن جانبهم، تعاونت الحركات الأصولية الإسلامية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين والحركات السلفية مثل جيش الإسلام، مع أجسام معارضة المنفى من باب إظهار “الاعتدال” وطمأنة الدول الإقليمية والغربية. ومع ذلك، كان الفاعل المستفيد بشكل أكبر من هذا التعاون هو الحركات الأصولية الإسلامية، فالعلاقة كانت غير متساوية نتيجة تواجد الحركات الأصولية الإسلامية، السياسي والعسكري، المنظم داخل البلاد، وحصولها على التمويل و/أو الدعم الهائل من بعض الدول (السعودية وقطر وتركيا) و/أو من شبكات خاصة من ممالك الخليج، في حين تعرضت الجماعات العلمانية والديمقراطية، التي كانت ضعيفة أصلاً على مستوى فاعليها المنظمين، لقمع شديد منذ بداية الانتفاضة من قبل قوات النظام، ولم تتمكن من تنظيم صفوفها في أي وقت لاحق

إن “العلمانية” التي على العلمانيين التقدميين والديمقراطيين الدفاع عنها ليست منفصلة عن النضال الجماعي الأوسع من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة في سوريا وخارجها.

اعتقدت الشخصيات والمجموعات داخل المجلس الوطني والائتلاف أن الغاية تبرر الوسيلة، لكن الغاية تتحدد بالوسائل المستخدمة. فهذه الظروف أدت إلى عدم وجود أي قطب ديمقراطي أو تقدمي منظم على المستوى الوطني داخل أو خارج البلاد طوال هذه السنوات، في حين تُركت الجماعات الأصولية الإسلامية والجهادية تحتل الفضاء السياسي والعسكري لسنوات. أدى هذا إلى جعل الالتزامات الخطابية بالديمقراطية المدنية والشاملة التي أعلنتها أجسام معارضة المنفى غير ذات صدقية وغير كافية لإقناع قطاعات كبيرة من السكان بالتخلي عن نظام الأسد والانضمام إلى الانتفاضة. وبالمثل لم تكن هذه الأجسام قادرة على تطوير أي مؤسسات بديلة صلبة وشاملة، عن النظام

بحسب الباحث السوري طارق عزيزة، “هذه الأجواء المخزية السائدة طيلة سنوات في أوساط مؤسسات المعارضة (إذا صح أنها مؤسسات بالفعل)، هي التي سهّلت على الغرب، وعلى داعمي النظام بطبيعة الحال، سهلت عليهم اجترار كذبة ’غياب البديل‘ أو حتى ’الخوف من البديل‘، ثم النكتة السمجة بأن ’الأسد سيء ولكن ليس هناك بديل ناضج!‘، وما إلى ذلك.”[4]

لقد هيمن الأصوليون الدينيون والمحافظون، وكذلك الجماعات والشخصيات الطائفية، على المجلس الوطني والائتلاف الوطني. وقد حاولت كلتا الهيئتين بعث رسالة إلى وسائل الإعلام بأنهما شاملتان لجميع الشرائح عبر تعيين شخصيات علمانية وديمقراطية في مواقع مرئية لطمأنة الداعمين الغربيين الذين أبدوا خشيتهم من ظهور قوى متطرفة قد تتحدى مصالحهم في المنطقة. على سبيل المثال، لم يقم الائتلاف السوري بإدانة الانتهاكات الحقوقية أو الخطابات الطائفية الصادرة عن جيش الإسلام وأحرار الشام، ونادراً جداً ما فعل ذلك بالنسبة لانتهاكات وخطابات جبهة النصرة في السنوات القليلة الماضية.[5]

ماذا عن الدولة المدنية؟ حل قابل للتطبيق أم مفهوم يساء استخدامه؟

مع الهجمات الرامية لتقويض مفهوم العلمانية وإضعاف القوى التقدمية العلمانية في المنطقة، ولا سيما عبر القمع، انتشر مصطلح “الدولة المدنية” بشكل متزايد من قبل كل من العلمانيين (ومعظمهم من الليبراليين واليساريين السابقين) والجماعات الأصولية الإسلامية، خاصة منذ أوائل 2000. ويمكن تتبّع اعتماد المصطلح من قبل اثنتين من كبرى الهيئات السورية المعارضة إلى إعلان دمشق عام 2005، وبعد ذلك مع بداية الانتفاضات في عام 2011

يجادل العديد من المحافظين والليبراليين والعلمانيين الديمقراطيين بأن مفهوم الدولة المدنية المرتكز على المواطنة أقل إثارة للجدل بالنسبة لأبناء المجتمع، وأنه يقوم أيضاً على نفس مبادئ الدولة العلمانية دون تمييز على أساس الطائفة أو الجنس. لكن هؤلاء يحاذرون تفصيل أفكارهم حول المفهوم بالنسبة لموقع الشريعة أو قوانين الأحوال الشخصية. على الجانب الآخر، قامت جماعة الإخوان المسلمين السورية بنشر العديد من الوثائق منذ عام 2001 تعبر عن دعمها لإقامة دولة مدنية حديثة ومفاهيم المواطنة وسيادة القانون والديمقراطية والتعددية والمساواة، الخ… من الناحية النظرية، ثمة اتفاق كامل

ليست سوريا، وباقي دول المنطقة، “استثناء” كما يردّد بعض المستشرقين والمستشرقين المعكوسين. لا شيء يمنع البلاد من النضال من أجل المطالب نفسها التي يناضل من أجلها الناس في أجزاء أخرى من العالم، كالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة والعلمانية

لكن لا بد من إخضاع فكرة الدولة المدنية بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا وغيرها، وبشكل أعم الجماعات الأصولية الإسلامية، لتحليل عميق قبل اعتبارها أمراً مفروغاً منه. إن الحركات الأصولية الإسلامية ترفض العلمانية تماماً، خلافاً لما يجادل به بعض الباحثين.[6] وفقد سبق لزهير سالم، أحد القياديين السابقين في جماعة الإخوان المسلمين الذي ما يزال مقرباً للغاية من الحركة، أن قال في عام 2011 إن فصل الدولة عن الدين يعني “حرمان الدولة من مادئها الأخلاقية”.[7] تظل إيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين ذات جذور أصولية عميقة، فلا فصل بين الدين والدولة في أفكارهم والقوانين تعمل حصراً في إطار الشريعة. إن ما يكرره إخوان المنطقة حول “الدولة المدنية” ليس تماماً ما يفهمه آخرون، فهم يعتبرونها خطوة أولى نحو الدولة الإسلامية، أو الدولة القائمة على الشريعة. فهم يتحدثون عموماً عن “دولة مدنية بمرجعية إسلامية”.[8]

في وثيقة نشرتها الحركة في عام 2004 بعنوان “المشروع السياسي لسورية المستقبل”، رأى الإخوان في الإسلام أنه “مدونة سلوك للمسلم المتدين” و”هوية حضارية” لجميع السوريين، وأيضاً الدين الرسمي للبلاد والمصدر الأعلى للسلطة القانونية.[9] ينص المشروع في واقع الأمر أن الجماعة ستسعى إلى “أسلمة القوانين بطريقة تدريجية، بسبب إيماننا بأن الشريعة التي أوحاها الله هي مصدر رحمة للبشرية جمعاء وهي تضم الإجراءات الأكثر إنسانية وحكمة ورشداً والتي تصب في مصلحة الجميع”.[10] النص أيضاً ملتبس بشأن الأقليات الدينية، فهو يعتبرهم مواطنين متساوين لا يمكن التمييز ضدهم، بينما يرى وجوب جعل الإسلام أساس الدولة والهوية السورية

بالإضافة إلى ذلك، تبقى حقوق النساء مصدر غموض في إيديولوجيا الإخوان المسلمين. فالجماعة تدعو لحرية الاختيار والحقوق المتساوية للنساء، بينما تنص على ضرورة “وضع قيم مناسبة لضمان استمرار الرجال والنساء في أداء الأدوار التكميلية المتبادلة التي خصها الله بهم”. يترك ذلك القارئ في حيرة من أمره، فكيف يمكن تفسير ما هي “القيم المناسبة”.[11] في عدة مناسبات، جادل مسؤولو جماعة الإخوان المسلمين بأن هوية الأمة السورية تقوم على القيم الإسلامية، وبالتالي على أية حكومة قادمة أن تجسد تلك القيم نفسها. كما أدلى أعضاء الجماعة بتعليقات وتصريحات طائفية عديدة ضد الطائفتين الشيعية والعلوية، وفي الوقت نفسه اعتبروا جبهة النصرة قوة ثورية و”إخواناً في الإيمان”.[12]

لقد رأينا تعبيرات عن هذه الأفكار من قبل أبرز هيئتين للمعارضة السورية، بما يعكس هيمنة جماعة الإخوان المسلمين والقوى المحافظة الأخرى داخلهما. فيما يتعلق بحقوق المرأة مثلاً، وبعد مؤتمر للمعارضة عُقد في القاهرة برعاية جامعة الدول العربية في يوليو / تموز 2012، نصت وثيقة العهد الوطني للمعارضة السورية على ما يلي:

“يضمن الدستور إزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة، ويسعى لخلق المناخ التشريعي والقانوني الذي يؤمن تمكينها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في ما يتفق مع كل المواثيق الدولية ذات الصلة بما يتناغم مع الثقافة المجتمعية.”[13]

تمت إضافة الجملة الأخيرة “بما يتناغم مع الثقافة المجتمعية” بناءً على طلب صريح من جماعات وأفراد محافظين إسلاميين، وقد شجبتها الكثير من الناشطات النسويات واعتبرنها أداة لتقليص حقوقهن. كما انتقد العديد من الناشطين في مجال حقوق النساء الخضوع التلقائي لعلمانيي المجلس الوطني السوري وبعده الائتلاف السوري للقوى الأصولية الإسلامية، حيث ضحوا بحقوق النساء بوسائل مختلفة. كما اشتكت أصوات نسوية من ضعف التمثيل النسائي في هذه الهيئات المعارضة أو عدم وجوده، فغالباً ما اقتصر هذا التمثيل على وجود رمزي دون أي صلاحيات حقيقية. وبالمثل، لم تقف هذه الهيئات المعارضة في وجه المشاعر والممارسات الطائفية والشوفينية العربية لأعضائها

كذلك فإن المبدأ العام للخطة الانتقالية التي قدمتها الهيئة العليا للمفاوضات في سبتمبر/ أيلول 2016 ذكر مثلاً الثقافة العربية الإسلامية كمصدر “للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية بين جميع السوريين” (لجنة التفاوض العليا: 2016: 9)

البراغماتية القصوى للمعارضة السورية جعلها تخسر رصيدها الشعبي وتضحّي بأهم مزايا الحراك الشعبي الذي انطلق في 2011، والذي كان مغرياً لفئات شعبية أخرىl ومنفتحاً على انضمامها إليه

من هنا أعتقد أنه باعتماد فكرة “الدولة المدنية” فإن الأفراد والجماعات الديمقراطية والعلمانية تتخلى عن المطالب الرئيسية المتعلقة بإقامة دولة علمانية مستقبلية، أو بدعم حقوق النساء أو مجابهة الطائفية، وذلك لصالح سياسات الجماعات الرجعية ولأسباب انتهازية أساساً. كان لذلك نتائج كارثية على المعارضة السورية التي فشلت في تقديم نفسها كبديل منفتح على الجميع. بالطبع، لا بد من رسم الفارق بين المجاعات السياسية التي تتبنى خطاب “الدولة المدنية” لتبرير وتحقيق التحالف مع جماعات رجعية مثل الإخوان، والجماعات الشبابية الشعبية التي ظهرت أثناء الانتفاضة وتستخدم هذه الفكرة دون التخلي عن معارضتها للطائفية و/أو التمييز ضد النساء.

خاتمة

إن “العلمانية” التي على العلمانيين التقدميين والديمقراطيين الدفاع عنها ليست منفصلة عن النضال الجماعي الأوسع من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة في سوريا وخارجها. هذا الشكل من العلمانية لا يفرق بين مختلف الطوائف والإثنيات، بين المؤمنين وغير المؤمنين، بين الرجال والنساء. وفي الواقع، الدولة العلمانية هي مفتاح حل أزمة الطائفية والعنصرية والتمييز على أساس الجنس ورُهاب المثلية. يجب أن يكون جميع الناس سواسية أمام القانون، ويجب ألا تكون هناك قوانين مفصّلة على مقاس ديانات تميّز ضد النساء من حيث الأحوال الشخصية، أو ضد الأفراد بحسب ميولهم الجنسية وإثنياتهم وما إلى ذلك. في الوقت نفسه، وكما ذكر أعلاه، تعتبر العلمانية ضمانة ضد قمع الدولة أو فرضها فهماً واحداً للدين على جميع المؤمنين. في نقد برنامج غوتا الذي تبناه الحزب العمالي الألماني (1875)، دافع كارل ماركس عن حق الناس في ممارسة دينهم بقوله: “يجب أن يتمكن الجميع من تلبية احتياجاتهم الدينية والجسدية دون أن يحشر البوليس أنفه في الموضوع”

إن العلمانية خطوة أولى نحو مجابهة أشكال التمييز المختلفة هذه، وهي بالتالي مطلب ديمقراطي كبير. بالطبع لا يمكن للعلمانية أن تكون موجودة بدون الديمقراطية، والعكس صحيح. في هذا الإطار، لا يقوم النضال من أجل العلمانية، إلى جانب العنصر الآخر المذكور أعلاه، فقط على إنشاء مجتمع أكثر تسامحاً، ولكنه يتطلب أيضاً صراعاً ضد الأفكار السائدة للأنظمة الاستبدادية والحركات الأصولية الدينية، وبالتالي صراعاً من أجل المظلومين وضد الظالمين. يجب تحدي الهيمنة الإيديولوجية لهذه الجماعات ببدائل تقدمية كجزء من نضال أوسع لتغيير المجتمع بما يشمل قضايا العدالة الاجتماعية والديمقراطية

إن الدفاع عن مفهوم شامل للعلمانية يتطلب أيضاً مجابهة التحالفات السياسية لبعض المعارضين العلمانيين الليبراليين مع جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الأصولية الإسلامية الأخرى التي ترفض تبني المطالب الديمقراطية الأساسية، وكذلك تحالفاتها مع القوى الاستبدادية الأجنبية. لقد حدثت مشاكل مماثلة بين بعض الجماعات الليبرالية والديمقراطية المتحالفة مع قوى أصولية في أماكن أخرى في المنطقة.[14] في الواقع، يتجاهل شعار أن “الغاية تبرر الوسيلة” تأثير الوسائل المستخدمة على الغاية، وقد شهدنا تأثيرها على المعارضة السورية التي فقدت كل جاذبية وانفتاح الحراك الشعبي الأوّلي في سوريا، فالبراغماتية القصوى للمعارضة السورية جعلها تخسر رصيدها الشعبي وتضحّي بأهم مزيات الحراك الشعبي الذي انطلق في 2011، والذي كان مغرياً لفئات شعبية أخرىl ومنفتحاً على انضمامها إليه.

ليست سوريا، وباقي دول المنطقة، “استثناء” كما يردّد بعض المستشرقين والمستشرقين المعكوسين. لا شيء يمنع البلاد من النضال من أجل المطالب نفسها التي يناضل من أجلها الناس في أجزاء أخرى من العالم، كالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة والعلمانية. يكمن الأمل في المستقبل في حقيقة أن السيرورة الثورية السورية التي بدأت عام 2011 هي واحدة من أكثر السيرورات الثورية توثيقاً. هذه الذاكرة ستبقى، ولن تقتصر وظيفتها فقط على النظر إلى الماضي، بل أيضاً القبض على ذلك الماضي والبناء عليه من أجل المقاومة في المستقبل، بما في ذلك مقاومة الأخطاء. إن التجارب السياسية التي تراكمت منذ بداية الانتفاضة لا يمكن أن تختفي

:مقال منشورة على الموقع

http://syriauntold.com/2018/08/العلمانيون-والعلمانية-والانتفاضة-ال-2/


[1] نزعة يمكن ملاحقة جذورها حتى ثمانينات القرن الماضي في بعض الدوائر السورية المعارضة، وقد تكررت عند مجموعات مماثلة في أعقاب إعلان دمشق عام 2005 في سعي للتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين أو على الأقل تكوين علاقات قوية معها.

[2] كلنا شركاء (2013)، “ميشيل كيلو: التقيت جبهة النصرة واستقبلت كالأبطال”، متاح على يوتيوب: https://www.youtube.com/watch؟v=_hdkkEFdROQ

[3] راديو روزنه (2014)، “كيلو: لا تقارنوا جبهة النصرة بداعش”، متاح على موقع جريدة النهار:  https://www.annahar.com/article/97968-كيلو-لا-تقارنوا-جبهة-النصرة-

[4] http://drsc-sy.org/طارق-عزيزة-الائتلاف-تحالفٌ-سياسيٌّ-هش

[5] انظر http://www.etilaf.org/press.html

[6] على سبيل المثال الأكاديمي الفرنسي فرانسوا بورغا الذي يقول إن الإخوان المسلمين تقبلوا فكرة الدولة العلمانية.

[7] Diaz, Naomi Ramirez (2018), “Unblurring ambiguities”, in Hinnebush R. and Imady O. (eds.), The Syrian Uprising, Domestic Origins and Early Trajectory, London and New York, Routledge, p. 10

[8] على سبيل المثال، أعلن النائب السابق للمرشد الأعلى للإخوان المسلمين في مصر محمد خيرت الشاطر في مارس / آذار 2011 عقب الإطاحة بالرئيس حسني مبارك:

“الإخوان يعملون على إعادة الإسلام بمفهومه الشامل إلى حياة الناس، وذلك لن يحصل إلا من خلال مجتمع قوي. وهكذا تكون المهمة واضحة: إقامة إسلام بتصوره الشامل؛ خضوع الناس لله؛ إقامة دين الله؛ أسلمة الحياة، تعزيز دين الله؛ بناء نهضة الأمة على أساس الإسلام … هكذا تعلمنا على سبيل الاستهلال بناء الفرد المسلم، والعائلة المسلمة، والمجتمع المسلم، والحكومة الإسلامية، ودولة الإسلام العالمية.”

[9] http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=المشروع_السياسي_لسورية_المستقبل

[10] http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=المشروع_السياسي_لسورية_المستقبل

[11] Lefèvre, Raphael (2013a), The Ashes of Hama, the Muslim Brotherhoods in Syria, London: Hurst, p. 174

[12] لا يجب أن ننسى أنه رغم دعم الإخوان في البداية لإعلان دمشق عام 2005، فقد انضموا عام 2006 إلى 15 مجموعة معارضة أخرى يتزعم إحداها نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، المنشق عن النظام (انظر المزيد في الفصل) والمتزعم لجبهة الخلاص الوطني المدعومة سعودياً. في أبريل / نيسان 2009، أعلن الإخوان تعليق مشاركتهم في جبهة الخلاص في محاولة لتباحث شكل من أشكال التفاهم والمصالحة مع النظام. وقد أدى انطلاق الانتفاضة في سوريا في مارس / آذار 2011 لإنهاء هذه العملية حيث دعا الإخوان في إبريل / نيسان لدعم الانتفاضة.

[13] http://archive.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=12273&article=684969#.W2w119gzY1J

[14] في الانتخابات الأخيرة في العراق على سبيل المثال، أكد تحالف “سائرون” الذي جمع تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والحزب الشيوعي العراقي على الرغبة في بناء “دولة مدنية” لجميع المواطنين. لكن في الوقت نفسه لم يتناول الطرفان قضايا مثل حقوق النساء والعلمانية، لأنها بحسب الأمين العام للحزب الشيوعي العراقي رائد جهيد فهمي كانت مصدر نزاع بين حركته والتيار الصدري. يسعى الصدر اليوم لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع القوى الأصولية الإسلامية الشيعية وأفراد وشخصيات طائفية أخرى اعتاد على انتقادها في السابق. للمزيد انظر: https://jacobinmag.com/2018/06/iraq-elections-sairoun-muqtada-al-sadr