بعد سبع سنوات من بدء الانتفاضة الشعبية السورية، والتي جرى تحويلها تدريجيا إلى حرب مميتة ذات طابع دولي، بات نحو 2.3 مليون شخص، أي ما يقارب 11.5%  من السكان داخل سوريا، قد قُتلوا أو أصيبوا أو شُوهوا نتيجة للنزاع المسلح وفق أرقام عام 2015. ومع زيادة معدل الوفيات، تقلص متوسط العمر المتوقع بشكل كبير بالنسبة لجميع الفئات العمرية، لا سيما الشباب، حيث انخفض متوسط العمر المتوقع للذكور عند الولادة من 69.7 سنة عام 2010 إلى  48.4  سنة عام 2015. البلاد كارثيا على كل المستويات

وقد نزح أكثر من نصف سكان سوريا داخل أو خارج البلاد، أو أجبروا على مغادرة منازلهم نتيجة الحرب. اتسمت ظروف المعيشة لغالبية اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة بالفقر والاستغلال والسياسات التمييزية. من بين 5.5 مليون لاجئ سوري في جميع أنحاء العالم، تمركزت الغالبية المتبقية في البلدان المجاورة، في لم تعد إلا أعداد محدودة للغاية إلى سوريا. كان نزوح السكان ما زال مستمرا عام 2017 وعام 2018. وقد نزح أكثر من 920،000 شخص داخل سوريا في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2018، وهو رقم قياسي منذ بدء النزاع قبل سبع سنوات

ويعيش أكثر من 80% من السكان تحت عتبة الفقر. وقدر البنك العالمي في حزيران/يونيو 2017 أن حوالي ثلث المباني وما يقارب نصف كل المباني المدرسية والمستشفيات في سوريا قد تضررت أو دمرت

وتقدر تكاليف إعادة الإعمار في الوقت الحالي بأكثر من 350  وما يقارب من 400 مليار دولار. ويجد الأسد وأقاربه ورجال الأعمال المرتبطون بنظامه، في إعادة الإعمار فرصة لتوطيد السلطات المكتسبة وإعادة إرساء هيمنتهم السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، مع القيام في الآن ذاته بترحيل قسري للسكان. كما ستعزز هذه العملية السياسات النيوليبرالية لنظام مثقل بالديون تعوزه مقدرة تمويل إعادة الاعمار بمفرده

كما يقف حلفاء النظام السوري، روسيا وإيران بوجه خاص، بعد مشاركتهم في أبشع جرائم الحرب، وحتى الصين، في الخط الأمامي للاستفادة اقتصاديًا واستراتيجيًا من إعادة الإعمار

وقال الخبير الاقتصادي الدكتور أسامة قاضي إن “الانتعاش قد يستغرق 20 عاماً إن افترضنا أنّ “مرحلة” سوريا ما بعد الصراع ستبدأ عام 2018 بنسبة نمّو 4،5 بالمائة

تراجعت احتياطيات العملة الوطنية السورية من 20 مليار دولار في نهاية عام 2010 إلى 0.7 مليار دولار بنهاية عام 2015، في حين خسرت الليرة السورية حوالي % 90-100 من قيمتها، وانخفضت من 47 ليرة سورية إلى 430 ليرة في مقابل الدولار الأميركي في مارس /آذار 2018. في عام 2014، بلغ دين النظام العام، الذي تم قياسه مقابل الناتج المحلي الإجمالي، %147، %76 منه دينا محليا و%71 دينا خارجيا، في حين قُدر إجمالي الدين الذي تم قياسه مقابل الناتج المحلي الإجمالي بنسبة  %23 في عام 2010. كما أصبحت الحكومة تعتمد بشكل متزايد على المدفوعات المسبقة من البنك المركزي، بالإضافة إلى المساعدات الخارجية من قبل حلفائه، والتي تتزايد خلال الحرب بسبب قاعدة الدخل الضريبي المحدودة للغاية. في عام 2015، تم تمويل ثلث نفقات الحكومة على الأقل من خلال الاقتراض طويل الأجل من البنك المركزي السوري

حاولت الحكومة تعويض العجز المتزايد عن طريق زيادة أسعار بعض المنتجات وخفض الدعم لبعض السلع على مر السنين، وفي نفس الوقت زيادة رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص بهدف استرضائهم، ولكن ليس بنفس النسبة. وكانت هذه التدابير، التي تحدّ من دعم المنتجات الأساسية مع زيادة الرواتب بطريقة نسبية في القطاع العام، في الواقع جزءًا من مفهوم “عقلنة الدعم”

وكان لهذا الوضع عواقب على تكاليف المعيشة في البلد وزاد من فقر العديد من الأسر. في شهر سبتمبر/أيلول 2017، كان متوسط تكاليف المعيشة الشهرية (بما في ذلك الإيجار) في دمشق حوالي 311،000 ليرة سورية (حوالي أكثر من 600 دولار شهريًا). غير أن متوسط الراتب الشهري لموظف حكومي تراوح بين 30،000 و40،000 ليرة سورية، في حين أن متوسط راتب موظفي القطاع الخاص قد يصل إلى  65،000 ليرة سورية. حتى إذا كان الوالدان يعملان بدوام كامل، لا يكفي راتبهما نفقات الشهر. ونتيجة لذلك، اضطر الناس للتعويض عن البقية بطرق مختلفة مثل الحصول على وظائف عديدة، وسحب الأطفال من المدرسة وجعلهم يعملون، وتأجير غرف للاجئين، إلخ

بحلول نهاية عام 2016، بلغ الناتج المحلي الإجمالي، 12.4 مليار دولار، الذي كان يبلغ عام 2010 60.2 مليار دولار. كما تغيرت بنية الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير منذ بداية الانتفاضة في 2011، حيث شكلت الزراعة والخدمات الحكومية معا %46 في عام 2014، حيث أصبح كل منهما حصة متزايدة من قاعدة إنتاجية متقلصة. وبلغت حصة العمالة في القطاع العام حوالي  %55 في عام 2014، مما يشير إلى أن غالبية الأشخاص العاملين بشكل رسمي كانوا يعملون في القطاع الحكومي. وظلت هذه القطاعات مهمة طوال فترة الانتفاضة، حيث ما زالت الزراعة تستأثر بنهاية عام 2016 بنسبة تتراوح بين  %26 و36 من الناتج المحلي الإجمالي، وشكلت شبكة أمان مهمة لـ 7.6 مليون سوري، بما في ذلك للنازحين داخل البلاد. غير أن هذه القطاعات قد تعاقدت بنسبة حقيقية بأكثر من %٤٠ منذ ٢٠١١. في عام 2016، ذكر برنامج الأغذية العالمي أن خسائر القطاع الزراعي في سوريا بلغت 16 مليار دولار منذ عام 2011

وكان القطاع الأكثر تضررا هو القطاع الصناعي (بما في ذلك إنتاج النفط)، الذي شهد تراجعا بنسبة %94 بالقيمة الحقيقية منذ عام 2010. كما انخفض التصنيع والتجارة الداخلية والبناء بنسبة تزيد على %70 في المتوسط

علاوة على ذلك، أدى إغلاق العديد من أماكن العمل منذ بداية الانتفاضة إلى خسائر كبيرة في الوظائف. فقد الاقتصاد 2.1 مليون وظيفة فعلية ومحتملة بين 2010 و2015. وبلغت نسبة  البطالة في عام 2015 نسبة %55، في حين بلغت البطالة بين الشباب %78 في عام 2015. وشجع ارتفاع مستوى البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة قطاعات من الشباب على الانخراط في الجيش أو الميليشيات النظامية، وخاصة عندما يكون الراتب، بالإضافة إلى رشاوى، من رجال الميليشيات أكبر بأربع مرات من راتب أستاذ معلم الجامعة

وأصبحت التحويلات المالية التي أرسلها السوريون إلى عائلاتهم داخل البلاد واحدة من أهم مصادر الدخل. ووﻓﻘﺎً ﻟﺑﯾﺎﻧﺎت اﻟﺑﻧك اﻟدوﻟﻲ، ﺑﻟﻐت ﻗﯾﻣﺔ ﺣواﻻت اﻟﻣﻐﺗرﺑﯾن اﻟﺳورﯾﯾن ﻓﻲ ﻋﺎم 2016 ﺣواﻟﻲ 1.62 ﻣﻟﯾﺎر دوﻻر أﻣيرﮐﻲ، أي ﺑﻣﺗوﺳط ﻣﻌدل ﯾﺑﻟﻎ 4 ﻣﻼﯾﯾن دوﻻر ﯾوﻣﯾﺎً، وھو ﻣﺎ ﯾزﯾد ﻋن اﻟﻣﺑﻟﻎ اﻟﺳﻧوي ﻟﻟرواﺗب واﻷﺟور، واﻟﺗﻲ ﺗُﻘدر ﺑﺣواﻟﻲ 478 ﻣﻟﯾﺎر ﻟﯾرة سورية. وكثيراً ما كانت التحويلات المرسلة إلى سوريا هي المصدر الرئيسي للنقود لعشرات الآلاف من الأسر المحتاجة إلى المساعدة

بقلم : جوزيف ضاهر