الكاتب/ة: وليد ضو.

, ايار 4, 2018

مصدر:  المنشور

http://www.al-manshour.org/node/8030

من الجيد أن يصدر تحالف كلنا وطني بيانا، حتى يفتح كل النقاش الذي حصل، وكل الضجيج على مستوى الرأس والآمال المتوقعة في هذه اللحظة من حياتنا.

منذ أن بدأت المعركة الانتخابية حتى ازدادت، كالعادة، بين قسم غير قليل من المرشحين والناشطين، من مختلف التيارات، حالة من الاستنفار غير المعقولة، حتى بتّ أرى كل شيء باللون الأحمر، أو أتخيل نهاية الحياة.

تحولت تلك الحالة مع اقتراب موعد الانتخاب إلى نوع من التشنج والعداء الخفي، أو حتى المباشر، يجعلني أتساءل أي تغيير، أو بناء تغيير سيحصل بعد هذه الانتخابات.

لا شك بأننا جميعا، بدرجات مختلفة، انغمسنا بعملية تسجيل النقاط حول هذا الموقف أو ذاك، حول هذا المرشح أو ذاك، ولكن يبقى كل ما سجلته يرتكن ويرتكز إلى انتمائي الطبقي المعلن، مرارا وتكرارا، منه ينطلق التحليل، ومنه تنطلق مسألة تحديد العدو، وتحديد الحليف وما بينهما.

ولكن في الوقت عينه، لا أعرف من أين أتت حالة الاستنفار تلك، وهل الاستجابة لها أو عدم الاستجابة لها، ستحدد فعلا، بمآلاتها ونتائجها اللاحقة، مصيرنا المقبل؟

دعونا نضع جانبا مسألة الانتخابات والديمقراطية التمثيلية، ونعود إلى حياتنا اليومية، إلى أشهر قليلة مضت، إلى تلك الحياة، ألم تكن تستحق كل هذا الاستنفار؟

ألا يستحق الغضب من المنبه كل هذا الاستنفار؟ أو القلق خلال النوم؟ أو رؤية الوجوه نفسها المتجهة إلى العمل، أوجه الرخام؟ أو الشرود خلال العمل؟ أو وجع الظهر؟ أو نهاية الشهر؟ أو الشعر الأبيض وتساقطه؟ أو ذلك الوجع العميق الذي لا يمكن علاجه، أو إدراكه؟ أو التحرش؟ أو التفكير بالانتحار؟ أو الجسد؟ أو تنسيق حركة اليدين والرجلين والخصر عند الرقص؟ أو السكن في الغابة؟ أو الاغتصاب؟ أو الهجرة؟ أو رائحة دخان المازوت خلال الليل؟ أو رائحة المرارة، وطعمها؟ أو اللاجئين؟ أو الاحتلال؟ أو الأنظمة المستبدة؟ أو الامبرياليات؟ أو البراميل المتساقطة على من يشبهنا ولا نراه ونتجاهله بخلافاتنا؟ أو العسكرة؟ أو التلصص الأمني؟ أو اختراق الخصوصية؟ أو النظر إلى الخلف حتى نرى من يلاحقنا، ولا نرى أي أحد؟ أو الدموع المخنوقة؟ أو غض النظر؟ أو التبسيط عند الصعوبة، والتصعيب عند البساطة؟ أو عاملات الجنس؟ أو الترانس؟ أو القمع؟ أو الاستغلال؟ أو ضرب النقابات؟ أو موت وتلاشي من نحب؟

في الوقت عينه، أعرف أننا لا ننطلق من الصفر، وأن ثمة الكثير من الجيوب التي لا زالت تقاوم، وتنظّم، وتكتب البيانات، وتقرأ الأشعار، و”لا تخضع بصمت”، على الرغم من كل الخسائر والصعوبات والتعب.

أعتقد أن الكتابة عن التعب ضرورية. ولكن عندما نرتاح، سنكتب عن التعب. 🙂

في ١٣ نيسان عام ٢٠١١، توقفت مسيرة الألوان، التي اندرجت ضمن مسيرات إسقاط النظام الطائفي وكل رموزه، في ساحة رياض الصلح، يومها علّقت: ماذا سيحصل بعد عشرين سنة من تاريخ هذه الصورة/المسيرة؟

لقد مرت ٧ سنوات، أنظر إليهم كدهر مر، بخساراته وخيباته، بمن غادرنا وغادرناه، بالتجارب التي تعلمنا منها، أو التي لم نتعلم منها، ولكننا، كلنا ما زلنا نحاول.

وأنا أعلم، أننا، حتى عند انتحارنا سنطلق “رصاصنا” على عدونا، وعند هجرتنا سنفعل الأمر عينه، وكذلك عند قراءة كتاب ومشاركته مع أحبائنا، وكذلك عند كتابة مذكراتنا، عند توثيقنا للتجارب الحالية، عند تنظيم اعتصام بسيط، أو مظاهرة خجولة، أو عند رفع لافتة كتب عليها: “يسقط واحد من فوق”، أو عندما نغمر من نحب، أو نلمس وجوههم كأنها المرة الأخيرة، أو الأولى. سنمضي بـ“رصاصنا” لأننا نخطو “كمن يصوب مسدسه بعناية لأنه لا يملك إلاّ طلقة واحدة” (سركون بولص).

لم نصل بعد إلى نهاية التاريخ، حتى نستنفر بهذا الشكل، بنفس الوقت، علينا أن نمد حالة الاستنفار ونعممها في حياتنا اليومية، في حياتنا التي نعيشها، أو ما تبقى منها. ولأننا لم نصل بعد إلى هذه النهاية، لا تصلح كل المفردات التي تقف عند حافة التخوين والتعييب والتعيير، لأخذ هذا الموقف أو ذاك. كما لا تصلح ثقافة التأنيب واللوم وصولا إلى وصف الناس بالقطعان.

أي موقف معاد للنظام، أو تحرك ضده، أو ترشح أو بيان، سواء كان بتوجه إصلاحي أو ثوري وبالتأكيد غير رجعي، ينبغي إظهار العلامات الإيجابية والسلبية فيه، بهدف دعمه وتشجيعه على المضي قدما أكثر فأكثر. وفي هذا الإطار، يختلف تمام الاختلاف، خاصة خلال الانتخابات، الموقف المبدئي أو الاستراتيجي عن ذلك التكتيكي، الذي يحمل قاسما مشتركا بالحد الأدنى المقبول والمواجه للنظام في الوقت عينه. فإن ارتفعت الايجابيات عن السلبيات، ولو قليلا، ينبغي دعمها وتشجيعها حتى تزداد، وعدم وضعها في الميزان نفسه مع النظام، ولو بطريقة غير مباشرة.

في المقابل، على الكثير من قيادات المجتمع المدني، أن يتقبل النقد، سواء خلال هذه الانتخابات أو ما بعدها، خلال إدارتهم لجمعياتهم ومنظماتهم، وأن يبتعدوا كثيرا عن ثقافة الاتهام بالحقد والمبالغة والغنج (التي تستعملها البرجوازية) لناقديهم.

كما على كافة المنظمات الثورية، والثوريين، وبينهم أنا، أن تدرك أنها ليست خارج موقع المساءلة، وأن ندرك جميعنا أننا أبناء هذا المجتمع القائم على أشكال مختلفة من التمييز (الطائفي والجندري والعنصري والطبقي)، نحمل كل ذلك في وعينا ولاوعينا، في ممارساتنا وتصرفاتنا، في كتاباتنا وأقوالنا، نخطئ ونصيب، ونتعلم، ونناضل ونتعب، ونكتب عن التعب، عندما نرتاح منه. 🙂

ماذا سنحضّر لـ ٧ أيار وما بعده؟ عندما سيبدأ تطبيق مشروع الموازنة؟ عندما سيبدأ تطبيق مشروع سيدر؟ عندما سيرحّل اللاجئون؟ أو بوجه الثورة المضادة؟ أو الاحتلال؟ أو الامبرياليات؟ أو الرأسمالية؟ أو الرجعيات؟ أو الأبوية؟ أو العسكرة؟؟؟

في السنوات المقبلة، بالتأكيد سنواجه الكثير، لن أقارن بحالة سوريا أو مصر، ولكن ذاكرة الحرب ما زالت حية، وقد تكون قريبة، إلى درجة تصبح غمرة واحدة لمن نحبه عملا ثوريا يستحق المجازفة.

على الأقل، دعونا نتوقف عن إطلاق النار على أرجل بعضنا البعض. ثمة حاجة إلى مد الكثير من الجسور، ثمة حاجة إلى الاستماع إلى الآخر، ثمة حاجة إلى الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعية، واستبدالها بالتواصل المباشر. ثمة حاجة إلى الرد على الحجة بالحجة، بكل بساطة ثمة حاجة إلى النقد. ثمة حاجة لاستيعاب الغضب وتحويله إلى المكان المناسب، إلى النظام، بكافة أشكاله.

ثمة حاجة إلى برتولد بريخت عندما كتب لنا:

“حيث يسود الصمت دائماً

تراه يتكلم

وحيث يعم الظلم

ويتحدث الناس عن القدر

تجده يسمي الأشياء بأسمائها.”