اليوم منذ ثلاث سنوات بدأ التدخل الروسي في سوريا، هذا التدخل الآن يشير إلى استمرار زيادة النفوذ الروسي في سوريا، خاصة في سياق مناطق خفض التصعيد وعملية الاستانة للسلام، ومؤخرا المناطق منزوعة السلاح في محافظة إدلب.  

كانت سوريا أولى الدول التي تقوم فيها موسكو بإطلاق عملية عسكرية كبيرة خارج أراضيها منذ انتهاء الحرب الباردة. مدعوماً بالقوة الجوية العسكري الروسية وبالمليشيات الإيرانية على الأرض، استطاع النظام السوري من السيطرة على مناطق المعارضة القوية وتاكيد سيطرته على كل المدن الرئيسية في سوريا. من خلال قيام روسيا، بصورة مبدئية، بتقديم الدعم السياسي لحليفها السوري في مجلس الأمن، والدعم الاقتصادي من خلال صفقات سلاح بأسعار معقولة، بالإضافة إلى دعمها العسكري تمكنت روسيا من تحويل مسار الصراع بصورة دراماتيكية لصالح نظام الأسد.

التدخل العسكري العميق

كان هدف التدخل العسكري الروسي هو إعادة السيطرة على المناطق التي خسرها الأسد لصالح العديد من قوات المعارضة. وقد قامت الدولة الروسية بتبرير وصياغات تدخلها العسكري الكبير في سوريا باعتباره “حرب ضد الاهاب” خاصة ضد تنظيم داعش. ولكن روسيا سعت بصورة مبدئية إلى حماية حليفها، الدولة السورية، على المستويين السياسي والعسكري، وسحق كل أشكال المعارضة. ظهر هذا الأمر جلياً في نسبة الغارات الجوية القليلة التي استهدفت تنظيم داعش. في الربع الأول من عام 2016، استهدفت الغارات الجوية الروسية تنظيم داعش بنسبة 26% من الوقت. هذه النسبة انخفضت إلى 22% في الربع الثاني من نفس العام، وانخفض إلى 17% في الربع الثالث في العام نفسه. زعم محللون أن “أولوية روسيا هي تقديم الدعم العسكري لحكومة الأسد، وفي غالب الأمر تحويل الحرب الأهلية السورية من صراع متعدد الأطراف إلى صراع ثنائي بين الحكومة السورية والمجموعات الجهادية مثل تنظيم داعش.”

قامت روسيا ببناء قوات برية كبيرة في مختلف أنحاء سوريا. تشير تقديرات هذه القوات إلى وجود حوالي 4000 جندي على الأرض، يشملوا شركات عسكرية خاصة (مثل إينوت كورب ENOT Corp، وواجنر Wagner، ومجموعة مورجان للأمن Morgan Security Group) مع قوات الشرطة العسكرية الروسية مزودة بأسلحة حديثة. في أكتوبر/تشرين الأول 2016 قامت روسيا أيضا بتعبئة أحدث نسخة من منظومة الدفاع الصاروخي الجوي S-300 من أجل حماية قاعدة طرطوس البحرية وسفنها الحربية على ساحل البحر المتوسط. كما أنها أرسلت ثلاثة سفن حربية من أجل دعم قواتها البحرية على الساحل السوري.

قام المستشارون العسكريون الروس بتدريب قوات الجيش العربي السوري وتطوير علاقاتهم مع المليشيات شبه العسكرية الموالية للنظام، مثل كتائب القدس الفلسطينية ومليشيا اخوان الجابر (ميلشيا صقور الصحراء ومغاوير البحر “الوحدات العسكرية البحرية”).

بالإضافة إلى ذلك، كانت روسيا القوة المحركة لتأسيس الفيلق الخامس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016 – حيث قامت بإدارة وتمويل المجموعة – والتي تم إنزالها مع العديد من وحدات الجيش العربي السوري والقوات الأجنبية المتحالفة معه. في منتصف عام 2018 تكونت هذه الوحدة من المجندين الموالين للنظام وميليشيات المتطوعين التي تم انشائها من جانب الروس وفصائل المعارضة المسلحة السابقة، والتي قامت بتوقيع اتفاقيات مع روسيا.

تعضيد السيطرة

في شهر أغسطس/آب 2015، وقعت موسكو ودمشق اتفاقية تسمح لروسيا بتأسيس قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية من أجل انطلاق عملياتها العسكرية منها. على مدار عام لاحق، قامت روسيا بالتصديق إتفاقيات في شهر أكتوبر/تشرين الأول من أجل السيطرة الدائمة على القاعدة الجوية الاستراتيجية، وإبقاء قواتها الجوية فيها بصورة دائمة بناءً على طلب النظام السوري. هذه الاتفاقية، التي تمتد لـ أربعين عاماً، تسمح لروسيا بالإبقاء على القاعدة الجوية وأن يكون لها السيادة على الأرض أيضاً، وأن يكون لها أحدى عشر سفينة حربية، تشمل سفن تعمل بالطاقة النووية، وأن يكون لها الخيار لتمديد هذه الاتفاقية لمدة خمسة وعشرين سنة أخرى.

بعد عدة شهور في يناير/ كانون الثاني 2017، أَتبعت روسيا هذه الاتفاقية باتفاقية أخرى من أجل زيادة تواجدها العسكري من خلال مركز بحري في مدينة طرطوس، وهو مورد مهم، حيث أنه يعتبر القاعدة العسكرية الوحيدة خارج أراضي الاتحاد السوفيتي السابق والدول الأخرى التابعة لها، الأمر الذي يوفر لها وصول مباشر للبحر المتوسط. هذا المركز البحري زاد من القدرات العملياتية في الإقليم، وهو هدفطالما سعت روسيا لتحقيقه.

قامت القوات العسكرية الروسية بتوسيع منشآتها البحرية الصغيرة في طرطوس من أجل التعامل مع سفن حربية أكبر والنقالات البحرية في وسط القوات الروسية العامة. في منتصف عام 2015، تم تعبئة حوالي 1700 مستشار عسكري وقد زادهذا العدد بصورة كبيرة، والذي كان يبلغ عدد محدود من الرجال والمتعاقدين العسكريين في عام 2012. إن التوسع العسكري في روسيا كان جزء من توسع روسي أكبر والذي يشمل انشاء قواعد عسكرية في العديد من الدول.

في بدايات شهر سبتمبر/أيلول الحالي، وفي ظل التوقع بتدخل عسكري في إدلب، قامت روسيا بتعضيد وجودها العسكري على الساحل الروسي بالإنزال الأكبر لقواتها منذ بداية الصراع. شاركت أكثر من خمسة وعشرين سفينة حربية وحاملات دعم وحوالي ثلاثين طائرة، تشمل طائرات مقاتلة وقاذفات قنابل استراتيجية، في التدريبات البحرية بين 1-8 سبتمبر/أيلول طبقاً لرئاسة الأركان البحرية الروسية.

في 24 سبتمبر/أيلول، أعلنت موسكو تزويد الجيش العربي السوري بمنظومة S-300 البحرية-الجوية خلال أسبوعين، جاء الإعلان بعد أسبوع من قيام الجيش العربي السوري بإسقاط طائرة عسكرية روسية حينما حاولت استهداف طائرات عسكرية إسرائيلية كانت تقوم بهجمات في سوريا ضد القواعد العسكرية السورية.

عمل المرتزقة

بحلول نهاية 2016 وبداية عام 2017، تمت تعبئة قوات الشرطة العسكرية الروسية – وهى جزء من وزارة الدفاع الروسية والمكلفة بحماية المنشآت الروسية الرئيسية وضمان انضباط الجنود – في سوريا من أجل تدريب نظرائهم السوريين وتنفيذ دوريات مشتركة في بعض المناطق، بما فيها مناطق خفض التصعيد

قام بوتين شخصياً بتكريم أعضاء الشركات العسكرية الخاصة، على الرغم من أن هذه الشركات الخاصة تعمل بدون إطار قانوني. أنشطة المتعاقدون العسكريون الخاصة تم تجريمها بواسطة مادة في القانون الجنائي الروسي الذي يمنع مجموعات المرتزقة الخاصة. على الرغم من ذلك، في ديسمبر/كانون الأول 2016، قام بوتين بتوقيع تعديل قانوني للقانون رقم 53 والذي يسمح بإنزال المرتزقة الروسيين حول العالم من أجل زيادة التواجد الروسي العسكري. تستمر قانونية الشركات العسكرية الخاصة في زيادة الهواجس المحلية في روسيا حول مدى استخدام المرتزقة في سوريا.

في الوقت الذي يستعيد فيه النظام سيطرته على الأراضي والمدن من خلال الدعم العسكري الروسي والإيراني منذ بدايات عام 2016، كانت هناك تصريحات من جانب بوتين تشير إلى أن القوات المسلحة الروسية حققت أهدافها وطالب بانسحاب جزء لقواته. إلا أن هذا الإعلان للانسحاب تحول إلى مجرد خطاب. صورت التقارير عملية تدوير مخططة للطائرات والأسلحة لأغراض الصيانة وليس الانسحاب. وخلال عام لاحق، كانت هناك مزاعم أخرى في شهر ديسمبر/كانون الأول 2017، ومرة أخرى صرح بوتين أن القوات العسكرية الروسية يمكن أن تبقى طالما تطلب الأمر ذلك. حتى تاريخه، اجمالي 63012 شخصية عسكرية “حصلت على خبرة حربية” في سوريا، يشمل ذلك 25738 من الرتب العسكرية الروسية و434 حنرالاً روسياً بالإضافة إلى 4349 خبير جوي وصاروخي طبقاً لموسكو.

استخدمت روسيا تدخلها العسكري في سوريا “كطريقة لبيان قدراتها التسليحية لأغراض تصدير السلاح” خاصة مقاتلات SU-34 العسكرية وصواريخ كروز. أكثر من 200 سلاح جديد تم تطويرها بواسطة علماء روس، وتم استخدامها في سوريا بجلول شهر فبراير/شباط 2018، كما صرح القائد الروسي العسكري السابق وعضو البرلمان الروسي الحالي فلادمير شامانوف.

العوامل السياسية والدوافع

إن روسيا حليف قديم للنظام السوري منذ الحرب الباردة. التزام روسيا بدعم دمشق منذ بداية الصراع واضح. فقد قامت روسيا باستخدام حق الفيتو بصورة مستمرة من أجل منع قرارات مجلس الأمن لفرض عقوبات وغيرها من الإجراءات التأديبية ضد النظام الروسي.

تعتبر روسيا إن الإطاحة بالنظام السوري بمثابة تهديد رئيسي لمصالحها الإقليمية. إن إزاحة النظام السوري يمكن أن يضعف من تأثيرها في الإقليم، في الوقت الذي يدعم فيها وضع الولايات المتحدة وحلفائها، وهى نتيجة غير مرغوبة فيها بالنسبة لروسيا.

إن الصفقة الأخيرة بين موسكو وأنقرة من اجل إنشاء مناطق منزوعة السلاحفي محافظة إدلب منع، على الأقل بصورة مؤقتة، هجوم النظام المحتمل على إدلب. وأوضحت هذه الصفقة مرة أخرى الدور الرئيسي الذي تلعبه روسيا في الصراع. في الوقت الذي أصبح جلياً أن أي عمل بواسطة الولايات المتحدة يحتاج أن يأخذ في الاعتبار المصالح الروسية من أجل الوصول إلى حل قابل للاستمرار. سمح التدخل الروسي بأن تكون فاعل رئيسي في الصراع وعمليات إعادة الاعمار بعد انتهاء الصراع. وهو يوضح أيضاً القوة العسكرية الروسية وقدراتها السياسية على الساحة الدولية.

جوزيف ضاهر

المقال منشور في الموقع:

 http://www.achariricenter.org/the-evolution-of-russias-military-intervention-in-syria-ar/